الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

الفسيفساء

 
 
الفُسَيْفِسَاء (من الإغريقية Ψηφιδωτό) هو فن وحرفة صناعة المكعبات الصغيرة واستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية عن طريق تثبيتها بالملاط فوق الأسطح الناعمة وتشكيل التصاميم المتنوعة ذات الألوان المختلفة، ويمكن استخدام مواد متنوعة مثل الحجارة والمعادن والزجاج والأصداف وغيرها. وفي العادة يتم توزيع الحبيبات الملونة المصنوعة من تلك المواد بشكل فني ليعبر عن قيم دينية وحضارية وفنية بأسلوب فني مؤثر. (الطرشان 1985 : 3). وهو من أقدم فنون التصوير.
 
 
ترسم اللوحة الفسيفسائية عادة بانتظام عدد كبير من القطع الصغيرة الملونة كي تكون بمجملها صورة تمثل مناظر طبيعية أو أشكال هندسية أو لوحات بشرية أو حيوانية. استخدام الفسيفساء قديم ويرجع لأيام السومريين ثم الرومان حيث شهد العصر البيزنطي تطورا كبيرا في صناعة الفسيفساء لأنهم ادخلوا في صناعته الزجاج والمعادن واستخدموا الفسيفساء بشكل كبير في القرن الثالث والرابع الميلادي باللون الأبيض والأسود فبرعوا بتصوير حياة البحر والأسماك والحيوانات, والقتبانيين العرب الذين صنعوا اشكالا هندسية والفسيفساء الإسلامية كما بالجامع الأموي بدمشق وقبة الصخرة في القدس، وقد مر تطور الفسيفساء بمراحل عديدة حتى بلغ قمته في العصر الإسلامي التي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة, ذلك الفن الذي اهتم بتفاصيل الأشياء والخوض في تلافيف أعماقها، نافذاً من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة, إنه فن التلاحم والتشابك الذي عبر في دلالاته عن أحوال أمة ذات حضارة قادت العالم إلى آفاق غير مسبوقة من العلم والمعرفة.. واستطاع الفنان المسلم بأدواته الخلاقة أن يترجم لنا فلسفة هذه الحضارة في ألوان متعددة من الفنون الجمالية الراقية، التي يقف الفسيفساء في قمة هـرمها متربعاً على عرش الصورة الفنية المتكاملة، عبر قطع مكعبة الشكل لا يتعدى حجمها سنتيمترات من الرخام أو الزجاج أو القرميد أو البلور أو الصدف, وهو حجر ناطق يروي حكايات الماضي العتيق.. حكايات صاغتها أيدي الصناع المهرة على الجدار والقباب والأرضيات وغيرها فروت ماضيهم وكيف أن إبداعهم تجاوز حدوده وانطق الحجر فجمل المساجد والقصور والحانات. الفسيفساء هو فن العصور الإسلامية بامتياز وقدأبدع فيها المسلمون فطوروا هذا الفن وتفننوا به وصنعوا منه أشكالاً رائعة جداً في المساجد من خلال المآذن والقباب وفي القصور والنوافير والأحواض المائية...الخ.
لكن هذا الفن العريق عاد للظهور من جديد بصورة حديثة تواكب العصر ولعل أبرز ما دفع الناس حتى مع تطورنا وتقدمنا نحب بل نجبر أحياناً للعودة إليها فظهر فن الفسيفساء في المنازل والقصور والأسواق الحديثة في أحواض السباحة في الحمامات وفي أشكال رائعة من اللوحات الجدارية الضخمة.

خطوات تصنيع الفسيفساء

  1. أولا نقوم برسم الصورة أو الموضوع المراد تنفيذه بالفسيفساء على قطعة من الورق بالحجم الذي يراد تنفيذه به ولكن بشكل معكوس.
  2. ثم نقوم بعملية تجزئة لكل مساحة لونية من الرسم إلى أقسام صغيرة بعدد أقسام القطع الصغيرة التي سيتم رصفها.
  3. بعد ذلك نضع المكعبات الملونة حسب الرسم الذي تم تنفيذه وقد تحتاج هذه العملية إلى صقل أو تصغير بعض القطع وذلك حسب الحاجة وبعد ذلك تستخدم مواد لإلصاق القطع (الغراء الأبيض، سيكوتين وغيره من المواد اللاصقة).
  4. ثم نقوم بحصر الرسم ضمن إطار خشبي أو حديدي على أن تكون الورقة في الأسفل.
  5. ثم نقوم على تجهيز مونة مكونة من الاسمنت والرمل الناعم بالماء بعد ذلك تسكب هذه المونة فوق قطع الموزاييك ضمن الإطار، ثم تترك لتجف، ثم يقلب الإطار بما فيه ثم تستخدم اسفنجة مبللة لدعك وتبليل الورقة التي عليها الرسم لتنتزع ونحصل على لوحة فسيفسائية ملونة وجميلة ضمن إطار ليتم تثبيتها على الجدار بأية وسيلة ويتم سقايتها لتكتسب الصلابة.
إن المساحة الموجودة في الإطار الرئيسي والجدار المبني يكون عادة مرصوفا بفسيفساء ذات لون أبيض وقد تحتوي أحيانا على زخارف بسيطة مفردة مثل مربع، أو معين، على خلفية بيضاء. وتعد الكتابات أو ما تسمى بالنقوش الفسيفسائية جزءا من زخارف الأرضية وتوجد بالقرب من الأشكال الآدمية والتي تدل على اسم الشخص المصور وأحينا تكون محصورة ضمن إطارات مختلفة الأشكال مثل المستطيل والمعين والدائرة والمستطيل المزخرف، وتوجد هذه الإطارات دائما مزخرفة بنماذج هندسية متنوعة.

أنواع الفسيفساء

في بلاد الرافدين حيث كانت البداية على شكل أوتاد خزفية ملونة ضغطت على الجدران الاسمنتية لتقويتها وكانت هذه الطريقة معروفة في منطقة الهلال الخصيب وخصوصا في مدينة أور في العراق، وكانت هذه الأوتاد الخزفية ذات رؤوس دائرية تلون وترتب في تصميم هندسي على سطح الجدران، حيث كانت الفسيفساء تستخدم لتزيين الأقنعة والأسلحة.
أما في بلاد الشام فقد تم اكتشاف عدد كبير من اللوحات الفسيفسائية الجميلة في مدن عديدة منها ماري وشهبا وأنطاكية والسويداء وتدمر وحماة وحلب معرة النعمان وقد تم نقل بعض هذه اللوحات إلى المتاحف العالمية والمحلية حيث توجد أكبر لوحة فسيفساء في العالم في متحف طيبة الامام في سوريا، وما بقي من هذه اللوحات تم ترميمه والحفاظ عليه من أجل الأجيال القادمة لتبقى شاهدا على عظمة الفنون وعظمة حضارة هذه البلاد.
أما في الفترة الإغريقية والرومانية فقد تطور فن الفسيفساء ليصبح أكثر جمالا، حيث تم استعمال الفسيفساء كلوحات جداريه لتمثيل التاريخ المصور، كما استخدم في الحدائق وحول النوافير، وتم استعمال مواد متنوعة في صناعة الفسيفساء كالصدف والأحجار الكريمة، كما شيع استخدام المكعبات الفسيفسائية المقطوعة من الحجر والرخام لتشكيل تصاميم زخرفيه جميلة كما استخدمت الألوان الطبيعية للحجارة وللمواد الأخرى، وتم استخدام مواد أخرى في هذه الصناعة مثل الزجاج وذلك خلال القرن الثاني قبل الميلاد.
أما في بلاد الشام فقد اعتبرت الفسيفساء حرفة من أرقى الفنون، وكان السوريون القدامى يستخدمون الألوان الواضحة المنسقة وقام البيزنطيون على إدخال اللونين الذهبي والأزرق. وقد شيع استخدام الفسيفساء في الفترة البيزنطية في زخرفة الكنائس من الداخل بسبب ملائمة هذا الفن وإمكانية تغطية المساحات الواسعة داخل الكنائس، كما وزينت الأرضيات والأسقف والجدران بلوحات فسيفسائية كما استخدمت في تغطية منطقة الهيكل والحنية والتي تعد أهم أجزاء الكنسية. 
 وقد استخدم الفنان البيزنطي والسوري الألوان والدرجات وذلك لتطوير الأشكال الهندسية وإظهار البعد الثالث فيها كما واستعملت الحجارة الصغيرة الحجم لإظهار تفاصيل الوجه وأحيانا كانت تقطع الحجارة إلى أشكال مختلفة لكي يتم ملئ جميع الفراغات في السطح وكانت تتخذ أشكال متعددة منها : المثلثات، متعددة الزوايا، لتشكيل دوائر وخطوط متعرجة حتى يظهر الشكل المطلوب أقرب إلى الرسم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق